26 نوفمبر 2025 — نظل نتحدث عن تغيّر المناخ كما لو أنه يحدث في مكان بعيد، لكن هنا في الأراضي الجافة شمال كينيا، هو واقع يومي لا يمكن الهروب منه.
الأرض متشققة وصلبة تحت أقدامنا، خزانات المياه فارغة، الأبقار تموت، والناس يتزاحمون على ما تبقى من مراعي قليلة. أحياناً تجوع العائلات، وأحياناً يفقد الناس حياتهم.
ومع ذلك، وفي قلب هذا القحط القاسي، يُعاد سرد حكاية الرعي من جديد، ويتصدر الجمل المشهد كما فعل دائماً: صامداً، قوياً، وممتلئاً بالحياة.
فبعيداً عن كونه مجرد حيوان للحمل، يمنح الجمل الكثير من الحليب، واللحم الجيد، ويقدّم أملاً حقيقياً للناس — اليوم وفي المستقبل.
لعدة عقود، تحدثنا عن الجفاف: لماذا يأتي؟ وكيف نتنبأ به؟ وإلى أين يجب أن تتجه المساعدات؟
كتبنا الخطط، عقدنا القمم، أطلقنا حملات التبرعات. ومع ذلك، تتكرر المشاهد ذاتها.
الوجوه نفسها تظهر في سنوات مختلفة، كل مرة أكثر نحولاً، وكل مرة أكثر إنهاكاً من الجوع. والسؤال الذي يطاردني — بسذاجة مؤلمة — هو: هل تعلمنا أي شيء؟
ما زالت ذاكرة عام 2011 تلسع الضمير الكيني. ذلك الجفاف كتب اسمه في الذاكرة الوطنية: أكثر من 3.5 مليون شخص ونحو 500 ألف لاجئ في الشمال دفعوا إلى الجوع والحاجة الماسة، و385 ألف طفل دون الخامسة عانوا سوء تغذية حاداً.
هبّ الكينيون وقتها: شركات، مؤسسات دينية، مواطنون.
حملة “الكينيون من أجل كينيا” جمعت نحو 677 مليون شلن نقداً وما يقارب 300 مليون شلن مساعدات عينية.
كان هناك بعض الارتياح… ثم بعد 12 عاماً، عاد الجفاف أشد ضراوة.
لقد سرت في هذه الأراضي، من أطراف إلداس في وجير إلى سريتشو في إيسيولو، إلى مانطيرا، سامبورو، مارسابيت، وغاريسا.
أول ما صدمني كان الخداع البصري للمشهد.
على الطريق المؤدي إلى إلداس، بدا السهل من بعيد وكأنه ينعم بالخُضرة: شُقَق من العشب وسهول واسعة كانت ستكفي لرعي مئات الأبقار.
لكن عن قرب، كان ذلك العشب علامة غياب، لا وفرة.
لم يكن هناك ماشية لتأكله. لقد رحلت.
القصص التي التقطتها هناك ليست جديدة على العاملين في الإغاثة، لكنها تظل تهبط على القلب كلكمة.
يقول عثمان عبدي: “لدينا الكثير من المراعي، لكن ليست لدينا الحيوانات لتأكلها. من كان يملك 500 رأس من الغنم والبقر لم يعد لديه سوى 10 أو 20. حتى الحمير التي كنا نجلب بها الماء… ماتت.”
جلست مع فاطمة آدن وهي تهدهد طفلاً خاملاً في حضنها. صوتها متعب كالرماد.
قالت: “وصل بنا الحال لدرجة أننا لم نشعل النار لمدة سبعة أيام. سأسمي هذا الجفاف إلباي… الجفاف القاتل. أكل كل شيء. نعيش على تبرعات الذرة الرفيعة أو الحطب الذي نبيعه لنطعم القرية.”
في سريتشو وصلت بطاقات التحويل النقدي، خطوة رحّب بها المانحون، لكن الابتسامات كانت هشة.
ثم التقيت رقية، التي حاولت أولاً إخفاء ألمها بابتسامة مُستعارة… قبل أن تنهار لحظة صافحتها.
قالت وهي تبكي بحرقة: “لم يُترك لنا شيء. لا شيء على الإطلاق. سُحقنا تماماً، ولكننا نحمد الله أننا أحياء. ما زلنا قادرين على المشي… ربما ننجو.”
وفي مانطيرا وغاريسا، سمعت القصص نفسها: عائلات مشردة، وأقارب يستقبلون اللاجئين رغم ضيق الحال.
تقول رحشة حسين عن القادمين الفارين من العنف: “جيراننا يأتون بحثاً عن الماء والمراعي، ودائماً ما يكون ذلك غير كافٍ. هاجموا العائلات، وحتى النساء اللواتي كنّ يبعن الطعام في قرية مجاورة. الأمر مؤلم.”
وفق الهيئة الوطنية لإدارة الجفاف، نفقت ملايين الرؤوس في جفاف 2022–2023؛ وتقدّر تقارير عدة الخسائر بنحو 2.6 مليون رأس من الماشية. سلسلة الغذاء انهارت، ومعها قدرتُنا على الصمود.
وحين تموت الحيوانات، يجوع الناس سريعاً. الحليب — مصدر البروتين الأساسي للأطفال في الأسر الرعوية — يختفي. وعندما يختفي الحليب، ترتفع معدلات سوء التغذية. وعندما يرتفع سوء التغذية، يتهدد مستقبل جيل كامل. وعندما تشح الموارد، تتمزق الشبكات الاجتماعية الهشة أصلاً.
تنشب النزاعات حول نقاط المياه، وتتحول مسارات الرعي إلى ساحات قتال. وقد ربطت مراكز دولية، بينها مركز مراقبة النزوح الداخلي، بين صدمات المناخ وارتفاع النزوح الداخلي في القرن الأفريقي.
الإبل: الأبقار الجديدة
وفي وسط هذه المأساة، يظهر شكل من التكيف العملي. حيث لم تعد الأبقار قادرة على البقاء، بدأت الإبل تحل محلها — ليس بدافع الرومانسية، بل بدافع الضرورة.
لماذا الإبل؟
لأنها خُلقت للندرة: تتحمل العطش أكثر من الأبقار، وتتغذى على الشجيرات الشوكية، وتقطع مسافات طويلة بحثاً عن الكلأ، وتظل منتجة حين تنهار الأبقار.
وثقتها دراسات منظمة FAO ومراكز بحث عديدة: حليب الإبل غني بالفيتامينات والمعادن والبروتينات ذات خصائص مضادة للميكروبات، وفيه عناصر ذات أهمية غذائية عالية.
وفي تجارب حديثة، جذب وجود بروتينات شبيهة بالإنسولين في حليبها اهتمام الباحثين لدورها المحتمل في تنظيم الجلوكوز — رغم الحاجة إلى مزيد من الدراسات.
ورصد معهد الموارد العالمية هذا التحول مبكراً: الرعاة في أجزاء من كينيا يتجهون إلى الإبل كـ“تكيف تحويلي” — تغيير كامل في نمط المعيشة لمواجهة واقع مناخي جديد.

