يُنسب للكاتب جورج أورويل مقولة شهيرة «صوتُك في الانتخابات قد يكون رصاصة في رأس العدالة، أو نورًا يضيء طريق الحرية؛ وبين الرصاصة والنور تتجلى قيمة الإنسان ووعيه، فيما يختار أن يقتل أو أن ينقذ».
بينما تستعد مقديشو غدًا لخوض انتخابات المجالس البلدية التي طال انتظارها، تقف العاصمة عند واحدة من أكثر اللحظات حساسية وتأثيرًا في تاريخها الحديث. فالأمر لا يتعلق بإجراء انتخابي روتيني، بل بمحطة أخلاقية ومجتمعية فاصلة، يختبر فيها المواطنون قدرتهم على الاختيار، ويحددون من خلالها شكل المدينة التي يريدون بناءها، ونوعية العلاقة التي تجمعهم بالدولة.
على مدى عقود، كانت مقديشو مسرحًا للصمود بقدر ما كانت ساحة للمعاناة. شهدت المدينة الانهيار كما شهدت النهوض، وعرفت اليأس كما لمست الأمل، لكنها في كل ذلك لم تفقد إرادة الحياة وإعادة البناء. من صيادي ليـدو إلى معلمي حمر ججب، ومن تجار سوق بكارو إلى شباب الأحياء الشعبية، ظل نبض المدينة حيًا بالمقاومة اليومية. واليوم، يُفترض أن ينتقل هذا النبض إلى صناديق الاقتراع، عبر تصويت واعٍ وشجاع ومسؤول.
ما بعد العشيرة والولاء الضيق
لطالما خيّمت على الانتخابات في الصومال، بما فيها المحلية، اعتبارات العشيرة والمال والعلاقات الشخصية. وغالبًا ما يُدفع الناخبون إلى الاصطفاف خلف الانتماءات لا خلف البرامج، وإلى مكافأة القرب لا الكفاءة. وقد أضعف هذا السلوك الثقة بالحكم المحلي، وعطّل بناء مؤسسات قادرة على خدمة المواطنين.
انتخابات الغد مطالبة بكسر هذه الحلقة. فالعشيرة لا تعبّد الطرق، ولا تنظف الشوارع، ولا تُصلح المدارس. وحدها القيادة الكفؤة والنزيهة والقابلة للمساءلة قادرة على تحسين حياة الناس. المدن تُبنى حين تسمو المواطنة على العشيرة، وحين يتحول الصوت الانتخابي إلى موقف أخلاقي لا إلى التزام اجتماعي مفروض.
ثِقل الصوت الواحد
لكل صوت وزنه الأخلاقي والسياسي. خيار متسرع قد يكرّس الفساد، ويمنح الشرعية للعجز، ويُقصي الإصلاح. أما التصويت الواعي، القائم على رؤية للمصلحة العامة، فيمكن أن يطلق مسار تغيير يمتد أثره إلى ما بعد دورة انتخابية واحدة.
من هنا، تبرز أهمية الوعي المدني والشفافية. يجب أن تكون العملية شاملة، تضمن مشاركة النساء والشباب والنازحين، وأن يشعر الجميع بأن أصواتهم متساوية القيمة. كما تقع على عاتق المجتمع المدني، ووجهاء الأحياء، ووسائل الإعلام مسؤولية توضيح الرهانات، وتمكين المواطنين من اتخاذ قرار مستنير.
فالديمقراطية ليست حدثًا ليوم واحد، بل ثقافة تُبنى بالممارسة. تبدأ حين يرفض المواطن بيع صوته، ويقاوم التلاعب، ويلتزم بمساءلة من انتخبهم بعد إعلان النتائج، لا قبلها فقط.



