كينيا، 20 نوفمبر 2025-
أنا أنحدر من عائلة مزارعين، نشأتُ حرفيًا محاطة بالقهوة. كان منزلنا مُلتفًا بصفوف من شجيرات البن، وخلال مواسم الحصاد العالية والمنخفضة كنا نقطف الثمار معًا كأسرة واحدة.
كان والدي يمتلك آلة لطحن القهوة داخل مأوى صغير في زاوية المزرعة. أسفلها خزان كبير لتجميع المياه، والذي كان بالنسبة لنا — نحن الأطفال — يتحول إلى مسبح نرتاده كلما خلت المزرعة من العمل.
لقد بُني كل ذلك لغرض واحد: أن تمر حبة البن بكل رحلتها لدينا، من القطف إلى الطحن ثم التجفيف وحتى المراحل الأولى من التعبئة. كان عالمنا الصغير، وكانت القهوة مركزه.
لكن كان هناك شيءٌ مميز تفعله والدتي، نادرًا ما رأيته في بيوت أخرى. كانت تأخذ كمية من حبوب البن المجففة، تُسقطها فوق مقلاة حديدية ثقيلة، وتُحمّصها على نار ثابتة حتى تتحول إلى اللون الأسود اللامع.
ثم تطحنها بيدها باستخدام الهاون التقليدي الطويل — كينو — وبالمطرقة الخشبية الثقيلة ذات الطرف السميك. كنت أراقبها، أغبط قوتها، وصبرها، وأتعجّب كيف لم تكن تتعب أبدًا.
هكذا تعرّفت أنا وإخوتي على القهوة في سن مبكرة، عبر رائحة الحبوب المحمّصة وصوت الطرق المنتظم على الكينو.
لطالما ظننت أن هذه هي القهوة الوحيدة الموجودة.
لم أكن أعرف شيئًا اسمه “نوتات النكهة” أو “البروفايل” أو أن دولًا مختلفة تزرع أنواعًا مختلفة من البن.
في المدرسة تعلّمنا أن إفريقيا واحدة من أكبر منتجي البن في العالم: إثيوبيا، كينيا، أوغندا، رواندا، تنزانيا، وحتى الكونغو، ولكل منها مذاق فريد يحدّده الارتفاع والتربة والتراث.
لكن بالنسبة لي كان هناك شيء واحد فقط: قهوة أمي.
محمصة بحب، مطحونة باليد، ومخمّرة بدفء يشبه دفء البيت. لذلك لم أحاول تذوق غيرها.
حتى حدثت “مويالي”
مؤخرًا، أثناء رحلة عمل إلى مويالي، على حدود كينيا وإثيوبيا، تغيّر شيء ما. دخلت مطعمًا صغيرًا للإفطار.
قبل أن أجد مقعدًا، ضربتني الرائحة — عميقة، ترابية، ودافئة — رائحة يمكن تذوقها قبل شربها. رائحة تُجبرك على الاقتراب.
ثم رأيت الأواني: أباريق القهوة الإثيوبية التقليدية (جيبينا) مصطفة على الفحم، يتصاعد منها بخار قهوة سوداء ثقيلة، وكأنها تغلي بهدف. وعلى الأرض، وُضعت أوانٍ أخرى فوق حصائر منسوجة، محاطة بفناجين وبخور وقطع زينة جعلت المكان يشبه ركنًا مقدسًا. كان المشهد آسرًا، ودعوتُه، يحكي قصة بدون كلمات.
طلب زميلي أولًا.
سأله النادل:
– أبيض أم أسود؟
فقال: أبيض.
ولدهشتي، لم تكن “قهوة بيضاء” مجرد حليب ممزوج بالقهوة، بل كوب مملوء بالحليب حتى ثلاثة أرباعه، ثم يُضاف إليه القليل من القهوة المركّزة من الجيبينا. الرائحة وحدها كانت كافية لتوقظ الحواس.
اشتعل فضولي. طلبت قهوتي سوداء، متوقعة كوبًا كبيرًا يشبه القهوة الكينية المعتادة. لكنهم قدموها في فنجان صغير، ثقيل القوام، شبه لزج، ورائحته كأنها عالم كامل من النكهات.
حذّرني زميلي مازحًا:
“إن لم تكوني مستعدة، لا تشربيها. القهوة الإثيوبية السوداء ليست لضعاف القلوب.”
لكن بالطبع كنت مستعدة.
عندما ارتشفْتُ أول رشفة… قفزت حواسّي.
شعرت كأن شرارة انتقلت مباشرة إلى دماغي. اتسعت عيناي بلا وعي. كانت كثافة المذاق وعمقه وجرأته شيئًا لم أختبره من قبل.
أفضل من قهوة أمي؟
همست بالسؤال لنفسي فقط.
هناك مثل في لغتي الأم يقول:

