عندما رأيت الصور التي ظهر فيها دولة رئيس الوزراء حمزة عبد بري خلال زيارته لمقرّ اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، توقّفت لبرهة. بدت تلك الصور مختلفة تماماً عن المشاهد السياسية التي اعتدنا عليها في الصومال. فقد أظهرت عملاً حقيقياً، أنظمة جاهزة، تجهيزات مترابطة، واستعداداً فعلياً لشيء انتظره الشعب الصومالي لأكثر من عقدين: انتخابات تقوم على مبدأ صوت واحد لكل مواطن.
كانت ردة فعلي الأولى هي الأمل، تلاها مباشرة قدر كبير من الإحباط. الأمل لأن العمل بدا حقيقياً ومبنياً على أسس واضحة. والإحباط لأن بلادنا وصلت إلى مثل هذه اللحظات مراراً، ثم شاهدنا الفاعلين السياسيين ينسفونها حمايةً لمصالحهم.
في كل دورة انتخابية، يقف المرشحون أمام البرلمان بغرفتيه ويرددون الوعود نفسها: تحقيق “صوت واحد لكل مواطن”، وإصلاح النظام، وتمكين الشعب. لكن في نهاية المطاف، يعود الجميع إلى خيمة الانتخابات ذاتها، حيث يتم اختيار القادة عبر صفقات ومساومات وضغوط مالية، لا عبر صناديق اقتراع تعبّر عن إرادة الناس.
لم ينتخب الصوماليون قادتهم الحقيقيين منذ زمن طويل؛ بل ظلوا يشاهدون عملية “اختيارهم”. واليوم، بينما يتشكل لأول مرة نظام انتخابي واضح المعالم وواقعي، يبدأ بعض أصوات المعارضة في ترديد الرسالة القديمة ذاتها: “الوقت غير مناسب”، “الظروف ليست جاهزة”، “لنؤجل حتى نصل إلى فيلا صوماليا”.
وقد سمع الشعب هذه المبررات على مدى أكثر من عشرين عاماً، وكانت النتيجة دائماً واحدة: يكسب السياسيون، ويخسر المواطنون.
ولتبسيط الأمر، يمكن تشبيه الوضع بمدرستين لرياض الأطفال.
الأولى مفتوحة اليوم، ويمكن للأهالي تسجيل أطفالهم فوراً، ليبدأوا بالتعلم ويخطئوا ويتحسّنوا ويبنوا أساسهم التعليمي.
أما الثانية فهي مغلقة، وتطلب من الأهالي العودة بعد أربع سنوات. لكن حين تفتح، يصبح الطفل قد تجاوز السن المناسبة وفاتته المرحلة التي تُبنى فيها الأسس.
وهذا هو حال السياسة الصومالية مع الشعب.
المدرسة الأولى تمثل الفرصة الحالية لبدء تطبيق مبدأ “صوت واحد لكل مواطن”.
والمدرسة الثانية تمثل السياسيين الذين يكررون علينا ضرورة الانتظار حتى “الدورة القادمة”، و“المسار القادم”، و“الزعيم القادم”، بينما تضيع السنوات وتضيع معها فرص التطور.
والطفل في هذا المثال هو الصومال نفسه: يكبر بينما تضيع مرحلة البناء الأولى مرة بعد أخرى.
وينطبق السيناريو ذاته على مشروع تسجيل الهوية الوطنية عبر هيئة السجل المدني (NIRA). فحين بدأت الحكومة بمطالبة المواطنين بالتسجيل — وهو إجراء طبيعي في كل دولة — توقع الجميع أن يحظى المشروع بدعم واسع. لكن بعض النخب السياسية والراغبين في الترشح للرئاسة بدأوا فوراً ببث الشائعات وإثارة الشكوك وصناعة سرديات مضادة لإرباك الناس.
وفي بعض الملتقيات العامة، وصل الأمر ببعض السياسيين إلى تبنّي خطاب قريب من الخطاب الذي تستخدمه الجماعات المتطرفة، لا قناعةً بالفكرة، بل لمجرد ضرب الحكومة وتعطيل أي خطوة لا تخدم حساباتهم. والأسوأ من ذلك أن بعض القيادات السابقة تقف على المنصات ذاتها دون أن تعترض أو تصحح تلك المواقف.
ومع ذلك، ورغم كل الضجيج، مضى المشروع قدماً، وكسب ثقة الجمهور تدريجياً. فقد انطلق رسمياً في أغسطس 2024، واليوم تشهد المراكز طوابير ممتدة وإقبالاً واسعاً من المواطنين. وهذا النجاح يطرح سؤالاً بسيطاً:
لماذا يزعج تسجيل المواطنين بعض السياسيين؟
كيف يمكن أن يهدد هذا الإجراء أي حزب أو منافس انتخابي؟
ولماذا يُنظر إلى نظام يعزز الأمن والحوكمة والخدمات على أنه خطر سياسي؟


-1024x576.png&w=3840&q=85)